الأحد، 19 يوليو 2009

يوسف – أعرض عن هذا ـ..


:

شبه نائمة , أراقبني بنصف عين , خوفاً من أن يخترق مسافاتي ويهتك حرمتي , لكن رأسي يؤلمني وعيناي استعصى علي تركهما نصفَ مفتوحتين كالعادة , أشعر بهما تحتضنان احمرار مقلتيّ , لتضيق المسافات تاركة المساحة لنهر جارٍ من الدمع , وكنارٍ سموم لامس شفتي السفلي وقد تمزقت من فرط ما ألتهمها وعبر شقوقها الحمراء تسرب لي الألم , ولم أهتم , فلطالما اعتدت البكاء كل يوم , حتى وسادتي استحالت صفراء باهتاً لونها كوجهي وقاسية كنظراته وكحجرٍ صلد هي ترتطم برأسي وقد ملت من رثائي , فأفقت وأنا مكممة ,أجل مكممة و بلل يدنس شفتيّ , أكنت أبكي ؟ لا الدموع لم تكن يوماً باردة كقطعةِ جليد ! فهو شيء بارد , لزج , أشعر بغثيان , عيناي تدوران , وقبل أن يهرب , أيقنت أنه قبلني بشهوة ولم أستطع الكلام .!
تركتُ الهواء يسلك طريقه لفمي , حتى ريقي لم أرغب بابتلاعه كعادة صبيانية أمارسها في رمضان حين ينتابني العطش , وبكيت , أجر خيبتي في أنحاء منزلي فاغرة فاهِ , فكل شيء اختلط علي حتى الماء , كان طعمه مرّاً , حتى أني لم أنتبه ليدي وهي تدسُّ صابون أثوابي في فمي , رغوة , فقاقيع صابون , عيناي الحمراوان, كل هذا لم يشفع لي عند أمي , حين أتت كرسول شيطاني تسحبني خلفها لغرفة أخي وتمد نحوي قنينة زيت .

يوسف ,ممدداً على السرير خالعاً عنه كل أثوابه , في وقت لبست أنا كل ما أملكه من خرق , قد لا يمنعه كثرة ما أرتدي من النيل مني لكن قد يؤخره قليلاً , أعرف أن لا أحد قد يحميني منه حتى أمي , فأنا كالمستجير من الرمضاء بالنار , لذا اقتربت منه طوعاً , سحبني من شعري وقرب وجهي منه قائلاً : "همزيني .. "
يداي ترتجفان ولا أقوى على ملامسة جسده فوقفت على ظهره أسير عليه بقدميّ طلوعاً ونزولاً , وصوت أنفاسه يأتيني كنغمة رعب "كمان تحت تحت "
يملؤني التردد , توقفت عن الحركة و لم يكن علي توقع ردات فعله فقد قام كالشيطان وسقطت على الأرض لينهال علي ضرباً وجاءت أمي على صوت صراخي وأيقنت بأني أغويه حين بدأ يقرأ بصوت مستفز " وراودتهُ التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله " وكرر طويلاً معاذ الله معاذ الله, وكأن بي مسّاً وهو شيخ وقور يجيد إخراج الجان , ولأن أمي لا تهتم كثيراً بي هجمت علي وضربتني أكثر على صوته وقد بدأ يبتعد مردداً بخشوع محركاً رأسهُ معبراً عن صدمة مفتعلة " قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي " ورميت نفسي بحضنِ أبي لعله يذود عني لكن لم يفعل فهو طيب جدّاً ليقول : ( ما بكِ مريم؟) وهو يضُمني بشدة , أرتجفُ بين يديه كعصفورٍ مغموس بمستنقعِ جليد وبعد أن وضعني على سريري رفعت قنينة الهوستوب وقربتها من شفتيّ أبللها بقطرات لذيذة كطعم الكولا وغفوت بسلام , تطاردني الكوابيس وأشعر بثقل أطرافي وهو يطوق عنقي ويصلُبني على جدار غُرفتي ويمارس تعذيبي بدغدغة أزاريري فتنفرج كل مساحات الألم فأكره جسدي أكثر مبللة رأسي بالماء مختلطة برفقاء الحي .
أتاني وأنا أنازع علي لأسلبه إصبع حلوى فرآه ساقطاً فوقي بعبث طفولتي فحملني عالياً وصفعني على وجهي ثم رمى بي على الأرض , أسمع صوت سقوطي وهو يسحبني راكلاً علي بقدمه متمتماً بطريقة فجة : ( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً) ثم أحاط خصري بشماغه : ( أن هزي إلي بجذعك يا فاسقة ) فأرى عينيه من خلال غشاوة الدمع التي تمتلئ بها حدقتاي تزدادان قبحاً حين تقتربان مني تعريانني وكأنني فتاة عرض , ثم يعاود تلاوة القرآنِ على مسامعِ أمي : (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوماً صالحين ) فتزداد أمي إيماناً به وكفراً بي , رغم حرصي على الاقتراب منها هامسة : ( الأسماء لا تعلل يا أمي ..) لكنها تقذفني بأقرب الأشياء منها صارخة بوجهي : ( لأنها لا تعلل لا تحسبي نفسكِ العذراء مريم ) هاجمتها : ( ولا هو يوسف الصديق ) حدجتني بنظرة قاسية يتطاير منها الشرر لأهرب من رؤيتها اشتهاءً لأصبع حلوى لكن خوفي منه أكبر من اشتهاءتي الصغيرة , فسرت بحذر أطفئ أنوار البيت بطريقي حتى لا يتبين ضآلة جسدي وهي تسلك طريقها نحو غرفتي مقفلة الباب بحرص لأجده أمامي قابعاً بركن غرفتي يتربص بي والشر يرقص داخل حدقة عينه بفرح شيطاني , فسقطت مغشيّاً علي من الخوف لأفيق ملونة بالأحمر وقناني التوت تتناثر من حولي , فتحت غرفتي رأتني أمي ابتسمت بازدراء : ( لقد بلغتِ طهري نفسك , واشربي أشياء ساخنة ستقلل قليلاً من وجعك , والتزمي بالحجاب لا أريد أن أرى وجهك , ولا خروج من البيت ووووو ) سلسلة من القوانين خرقت بها كياني لأعيد يدي الممتدة نحوها وضممتُني بقوة , أصلي الليل والنهار داعية عليه بأن تسخطه السماء لفأر سمين تلحقه القطط أينما ذهب ولا تشتهيه أبداً إلا بقضماتٍ موجعة تزيده وجعاً , فاستجاب الرب دعوتي وحلت به القارعة , كان يسير عارياً بشوارع المدينة يصرخ باسمي طالباً المغفرة , يقترب كثيراً رافعاً يديه للسماء في صلاة طويلة تقطعها الكثير من الصرخات الموجعة , منتهكاً جسده بمشرطٍ نحيل يلعق الدم بلسانه كشراب توت صارخاً : ( لقد قتلته) , ولم أستطع المغفرة , قاذفة كل ما بجسدي من رحمة , ودوار الحمل يفتك بصحتي ، أراقب انتحاره , رأيته بوضوح كقطة مشردة معلقاً أعلى الجسر رابطاً عنقه بحبل الغسيل يهتز برعشة سريعة تلعب بساقيه الريح , وكبندول ساعة يصطدم صوته بركن جمجمتي : " لم أكن نبيّاً أنا نكرة قذر , وهي عذراء ". ابتسمت بتشفٍّ , ووددت لو أستطيع رفع نظري عنه بعد أن غسلت السماوات ذنبه بانتقامها القاسي لكن شيئاً بداخلي يتمنى له الموت كل لحظة , كل دقيقة بل استعجلت في طلب موته ولو لم يمت لكنت شنقته باليوم مليون مرة حتى يموت موتة لا يحيا بعدها أبداً , فحياته غير ضرورية فكيف سأومن به؟ أتكلم معه , أقضي الليل بجواره طمعاً في لحظة سمر وهو من يتحرك طفله بأحشائي , كيف سيكون حفل قراني به مقدساً وهو المنكر الذي لم تنزل به أي كتب سماوية ؟ وثرثرة أخذت طريقها لرأسي الصغير , اختنقت بها , مودعة روحه وهي ترحل بعيداً لتبعثرني ركلة قوية في أحشائي غرست بعمقها سكيناً مدلية لساني بوجه أمي

هناك 4 تعليقات:

  1. قرأت قصتك في مكان آخر وكنت ناقمة على الأخ، لكن صورة الفتاة إن كانت كذلك فهي سبب من أسباب غوايته، وتحمل جزء من جرمه في حقها بإبدأ مفاتنها.

    ردحذف
  2. يشرفني أنكِ قرأتيها .. ومعكِ حق بشأن الصورة لكن أنا حطيتها من باب انها نائمة ..:)...
    بس تعرفي حتى لو هي كذلك يجبرها تغير لبسها مو يعاقبها بالنظر لها بطريقة بشعة فمن يفعل ذلك مريض نفسي شو ما كانت المبررات والظروف .

    ردحذف
  3. مؤلمة جدا يا شروق.

    ردحذف
  4. بإي الأبجدية سوف أشكرك على هذا البوح
    كانت هنا صورة وقفت أتأملها لثواني ودقاقيق معدوده
    أبحث فيهآ عن بصمآت الأنامل
    صورة بالفعل أدهشتني يآرائعه
    أكليل من اليآسمين يعآنق روحك المترفه .
    محبتي لكم..
    ـآنسة وفاء..}

    ردحذف